New Page 1

 

 

 

 

 

 

 

 

الإحصاءات الديموغرافية ( النظم الإجتماعية)

ان تأثير النفوذ والتغلغل الغربي في الطبيعة الفطرية الإجتماعية والتركيب الديموغرافي خلال القرن التاسع عشر كان تأثيرا عميقا. اخذ التأثير الغربي في البداية شكل علاقات النقل والتجارة والتحول من الزراعة المستندة على القبيلة الى انتاج المحاصيل ذات المردود النقدي – غالبا التمور – للتصدير. وبزيادة هذا المنحى قل سكان الريف نسبيا وبالإرقام المطلقة زاد عدد سكان المدن زيادة نوعية وخاصة في المنطقة الجنوبية. صاحب هذا تحولا في العلاقة بمالكي الأرض من الإقطاعيين:
 أسلوب المجتمع العشائري لإنتاج الغلة لسد الرمق ، تحول بشكل واسع الى علاقة مالك الارض بالفلاح الاجير؛ شيوخ العشائر، تجار المدن، وموظفي الدولة تبواؤا مواقع ومسميات غير معهودة من قوانين الارض العثمانية المعلنة حديثا. لقد نتج عن الحوافز والضغوط المفروضة على طبقة الملاك التي ظهرت لأجل زيادة الإنتاج (وبالنتيجة زيادة الصادرات والأرباح) توسع الإنتاج الزراعي، وبالتالي ضم اراضي اكثر للإنتاج الزراعي وبالنتيجة امتص عدد كبير من الأيادي العاملة الفائضة من ابناء العشائر والفلاحين والرعاة والبددو الذين يمثاون المجتمع العراقي. ان هذا السياق الطويل كان قد تغير بعد انسلاخ العراق من الدولة العثمانية خلال وبعد الحرب العالمية الأولى، ولكنها استمرت تحت الإنتداب البريطاني وبعد الإستقلال.
ان هذا التحول الثلاثي للمجتمع من البداوة الى الرعوي الى الزراعي، من الكاسب الى التجاري، الهيمنة العشائرية الى المالك – الأجير؛ كان قد صاحبه تحول كبير في مجتمع المدينة ايضا. كان هماك زيادة عامة في عدد وحجم المدن الأسواق وزيادة سكانها؛ ولكن تدمير الصناعات والحرف اليدوية وخاصة في بغداد باستيرادمواد مصنعة رخيصة من الغرب، ادى الى انخفاظ تام في عدد سكان المراكز الحضرية. والتي اضفت فيما بعد على التوسع الحضري طابعا سلعيا تجاريا و صفة الادارة البيروقراطية التي لا تزال تعتبر من سماة المجتمع العراقي.
لذا فانه يمكن تقسيم الخط العام لتاريخ ديناميكية سكان العراق في العصر الحديث الى فترة تمتد من منتصف القرن التاسع عشر الى الحرب العالمية الثانية، متسما اساسا بالتحضر، مع حركة سكانية نامية ببطء من الريف ( وخاصة في الجنوب) الى المدينة (وخاصة في القاطع الوسط). اضافة الى ان اساسيات التوجهات في الثمانينات هي امتداد لجذور الممارسات الزراعية التي تخص كلا من الأرض والناس الذين عملوا عليها. نقص انتاجية الأرض كان نتيجة عدم ايجاد نظام بزل جيد يساير مشاريع الإرواء ورداءة ظروف المنتجين ادى الى خط بياني ديموغرافي مضر. ان انخفاظ عدد سكان الأرياف والذي استمر الى نهايات الثمانينات يعاكس جهود الدولة في حماية الأنتاج الزراعي.
ان الزيادة في استيطان المدن ومنذ الحرب العالمية الثانية يمكن تمثيله في تقلص السكان الذين يعيشون في الريف: 61 % في عام 1947 و 56 % في عام 1965 و 36 % عام 1977 وما يقدر ب 32 % في 1987 حيث زاد عدد نفوس سكان المدن بين عامي 1977 و 1987 من 7646054 الى 11078000 . ان الهجرة من الريف بلغت اقصاها في محافظتي القادسية والبصرة. ان نسبة سكان الأرياف الى المدن كان الأدنى في البصرة ( 37 % في عام 1965 ، و 1 % في عام 1987 ) وكانت في بغداد ( 48 % في 1965 و 19 % في عام 1987 ). وكانت الأعلى في محافظة ذي قار حيث بلغ معدلها 50 % في 1987 ، تتبعها محافظتي المثنى وديالى بنسبة 48 %. بلغ معدل النمو السكاني بين الأعوام 1957 و 1967 لمحفظتي بغداد والبصرة 73% و 41 % على التوالي. وخلال ذات الأعوام بلغ معدل النمو في مدينة بغداد 87 %.
انخفض معدل النمو لمحافظة البصرة بسبب الحرب العراقية الإيرانية، في الوقت الذي كانت نسبة زيادته في بغداد تنذر بالخطر، ففي احصاء 1987 كان سكان مدينة بغداد 3845000 . كانت ايران وخلال سنوات الحرب عدا عام 1988 تشن هجوما رئيسا واحدا كل عام في محاولة لإحتلال البصرة والمناطق المحيطة بها مما وضع المدينة تحت القصف الإيراني المستمر. وكنتيجة لذلك فر سكان البصرة وباقي مدن الجنوب باتجاه الشمال ودخول بغداد التي كانت تعاني ازمة الإكتظاظ. حاولت الحكومة معالجة الأزمة بنقل اللاجئين من بغداد واسكانهم في مدن اخرى صغيرة في الجنوب بعيدة عن تأثير القتال المباشر.
 


 

UP

المجتمع القروي الريفي
يتصف الريف العراقي بسمات التنظيمات الإجتماعية العشائرية التي بقيت راسخة عبر القرون وتم احياؤها في الثمانينات – وخاصة في المناطق الريفية النائية والمعزولة، مثل منطقة الجزيرة في شمال غرب العراق، ومنطقة الأهوار في الجنوب. ان النموذج العشائري ربما يكون قد نشأ نتيجة سقوط الدولة العباسية وما اعقبها من الغزوات والدمار.
في غياب سلطة مركزية قوية، فقد تحول المجتمع الريفي ذي الحضارة العظيمة الى وحدات اجتماعية صغيرة ووضعت تحت ظروف فرضت عليها التركيز المتزايد على البسالة والشجاعة والعزم وقابلية الحركة. وفي ظل هذه الظروف فان المشيخات والقبائل تحولت الى طبقة من المحاربين ونتج عن هذا التحول هيمنة البدوي المقاتل على الفلاح المزارع.

ان التحول البطئ الى اللامركزية بدأ بعد منتصف القرن التاسع عشر ادى الى انهيار قوة المشايخ وتفتت نظام القبيلة. حصل انقلاب عكسي تحت الإنتداب البريطاني والحكم الملكي . فبالرغم من الانهيار المستمر للقبيلة ككيان اجتماعي حي قابل للنمو، الا ان سلطة الشيخ بالرغم من ضعفها بقيت قائمة ودعمت من قبل البريطانيين. ان هذا الدعم كان من اجل تطوير طبقة حاكمة وطنية يمكنها توفير الأمن في مناطق الريف وإلا فإنه ينبغي مواجهة واجتثاث التحديات السياسية لوصول البريطانين الى ثروات العراق المعدنية وموارده الزراعية والدور البريطاني الآسمى في مشايخ الخليج العربي. من خلال تطبيق خاص لتسجيل الأارضي، فان الأسلوب التقليدي للتجمعات الزراعية والرعي – حيث الحقوق والواجبات بين الفلاحين والشيوخ – كان قد استبدل في بعض المناطق العشائرية بقانون الملكية الخاصة ونزع الملكية واستحواذ الشيوخ على اراضي العشيرة واعتبارها املاك خاصة. وتدنت حالة الفلاح الى مساهم في الزرع والمحصول او عامل اجير. ان زيادة سلطة الشيخ واعتبار الفلاحين كعبيد يعملون في الآرض اجراء جعل الشيخ مالكا للارض وسيدا لهم. ان اسس نظام المشيخة الذي كان يستند الى القوة العسكرية، تحول الى مالك الأرض ومالك انتاج الفلاحين.
لقد كان هذا هو البعد الإجتماعي لشكل التحول من اقتصاد العيش لسد الرمقوالوجود، الرعوي الى اقتصاد زراعي يرتبط بالسوق العالمية. كان حتما تحولا معقدا، وبظروف تختلف باختلاف المكان الجغرافي من البلد. التأثير الأكبر كان في النصف الجنوبي – الإقتصاد القائم على النهر – اكثر من مناطق الشمال الأقل كثافة والتي تعتمد على الأمطار في الري . يمكن تحليل هذا الموضوع بصورة اعمق والتطرق الى الفروق بين المشايخ العربية والكردية، بين اساليب عمل القادة السياسيين والدينيين، بين شيوخ السنة وشيوخ الشيعة، وبين شيوخ البدو وشيوخ القبائل القاطنة على الأنهر، كل ضمن ترتيباته البيئية. عموما فان الملكيات الكبيرة نشأت بعد الحرب العالمية الأولى في مناطق معدة للزراعة من خلال السدود والإرواء سقيا بواسطة المضخات. ان اكثر مناطق العراق التي ظهرت فيها سلطة الشيخ الإستبدادية هي مناطق زراعة الرز في العمارة، حيث الحاجة الى تنظيم ومراقبة الفلاحين وحاجة الرز الى الري الدائم ادى ظروف الظلم الجائر.
ان دور القبيلة كوحدة سياسية عسكرية اساسية انتهى عندما اطيح بالملكية في تموز من عام 1958. وانهي دور بعض الشيوخ من قبل الحكومة المركزية. واستمرت المشايخ في مناطق الفرات الأوسط حيث سجل الكثير من ابناء العشائر قطع أراض صغيرة باسمائهم ولم يصيروا ابدا عبيدا للشيوخ. في مثل هذه التشكيلة ظهر اندماج مثير بين النظام القبلي التقليدي والتأثيرات الجديدة يمثلها موظفي الدولة الذين بعثتهم الحكومة المركزية للمناطق الريفية اضافة الى التعليم الإلزامي الذي نشرته الحكومة المركزية على نطاق واسع. فمثلا وبالرغم من ان المهندس الحكومي المسؤول عن توزيع المياه هو فني ويفتقر الى صيغ الإدارة إلا ان الدولة وضعته شخصا مشؤولا ومهما في المناطق الريفية. يقوم المهندس بنصب المعدات اللازمة لتنظيف القنواة الزراعية،ويتولى الشيخ امداد مايحتاجه المهندس من قوة بشرية. اختلف مفهوم الخدمة عند رجال العشيرة من مفهوم الخدمة العسكرية الإلزامية التي كانت كانها خدمة للشيخ الى خدمة لا تقدم بالضرورة الى شخص الشيخ كفرد. قد تكون الخدمة مشتركة ضمن جمعياتهم او اراضيهم بما يجلب النفع العام للعشيرة ككل. تحاول الحكومة تجنب النزاعات المرتبطة بالحقوق المائية تاركين للشيخ حل مثل تلك الخلافات حسب القانون والتقاليد العشائرية. وهكذا فبالرغم من بعض التوترات بين الحين والآخر الا ان سلطة بغداد والحكومة المركزية قد توسع الى مناطق كان فيها قليلا أو غائبا.
بالرغم من اضمحلال الدوافع التأريخية للتنظيم العشائري إلا ان غياب العلاقات الإجتماعية البديلة ساعد في الإحتفاظ بالخصوصية العشائرية عند الأفراد والجماعات. ان تعقيدات هذه العلاقة مؤثرة. وحتى في المناطق الجنوبية التي تعتمد على النهر في الإرواء، فهناك اختلافات واضحة في العشائر التي تسكن على ضفاف نهر دجلة حسب التأثير الإيراني، وتلك التي تقطن على الفرات والتي لديها ارتباطات تأريخية مع قبائل البدو في الصحراء. وحيث لا توجد دراسة عرقية عن سكان الجنوب على دجلة خلال الثمانينات، فالتالي مستندة على بحوث على قاطع الفرات.
تمثل القبيلة نظام اجتماعي مترابط يتصل بتركيب البداوة التقليدي لكنه قد تطور بسبب البيئة السكانية وخصائص الأرض المحدودة حسب العهد الجديد. ان الوحدة الأولية ضمن القبيلة هو النسب من جهة الأب الى عدة اجيال عميقا الى حيث ينتمي كل فرد. ان وحدة الإرتباط هذه لها مسؤوليات مشتركة في العداوة والحرب، تتحدد وتسيطر على التزاوج فيما بينها ويشتركون مجتمعين في ارض معينة من اراضي القبيلة. ان متطلبات المساعدة المتبادلة يحول دون وجود اية اختلافات اقتصادية ، وتكون الهيمنة مشتركة بين كبار القوم. ان وحدة العائلة الأولية تندرج ضمن ( الفخذ)، وهذه تتألف من مجموعات من العوائل تنتسب الى عمين او أكثر يرتبطون بالولادة . يمكن للفخذ ان يشكل عشيرة منفردة قوية. ان الأفخاذ هي وحدات تمثل التماسك والإرتباط عند النزاع مع افخاذ اخرى حتى ضمن العشيرة، وقد تنشأ عداوات بين مجموعات ضمن النسب الواحد. ويشترك ابناء الفخذ الواحدايضا في الإفادة من المقاطعات والأراضي.
تتحد عدة افخاذ تحت مشيخة شيخ واحد لتشكيل العشيرة. وكانت العشيرة باستمرار هي الوحدة العسكرية السياسية، على الرغم من ان عدة عشائر كانت تسعى دائما الى التحالف فيما بينها تحت مشيخة أسمى وارفع. تتناسب درجة هيمنة العشيرة ونفوذها مع عدد السنوات التي استوطنت فيها العشيرة تلك المنطقة: فمثلا بنو اسد الذين استوطنوا منذ عدة قرون يتمتعون بمركزية اكبر من تلك التي تتمتع بها عشيرة الشبانة التي استوطنت منذ نهاية القرن التاسع عشر.
في الجنوب، لا يقطن البيوتات الصغيرة المنتشرة ضمن المناطق المزروعة إلا ابناء العشائر. اما القرية فهي الوحدة الإحتماعية الأكثر انتشارا، ومعظم هذه القرى يقطنها التجار ( أهل السوق) وموظفو الدولة. كانت هناك خطوط واضحة تفصل بين سكان هذه القرى وبين ابناء العشائر، والى امد ليس ببعيد قبل الحرب، باللرغم من اختلاف الدرجة من مكان الى آخر. تزداد سيطرة ابناء القرى على ابناء العشيرة بتزايد التعليم والصحة والخدمات الإحتماعية الأخرى وتزايد عدد ابناء القرى من غير العشائريين.
يأخذ ممثلو الدولة الادوارالتي كان يمثلها الشيخ أو ممثليه من قبل. وتتنافس المدارس الحكومية مع الكتاب والمدارس الدينية. لم تستطع التعاونيات التي تشرف عليها الدولة ولا الوكالات من ان تأخذ أو تلغي دور التجار كوسطاء – الذين يشترون منتجات الفلاحين ويؤمنون لهم البذور والغذاء والملابس – . وازداد في الثمانينات عدد موظفي الدولة الذين هم من القرى ذاتها او ضواحيها, في حين كان اهالي بغداد خلال الخمسينات الذين يرتدون الملابس الغربية يعتبرون التعيين في مثل هذه المناطق النائية نفيا وعقوبة حيث لا تربطهم بالمحيط اية صلة قربى. كان التجار اما من القرية ذاتها او من المنطقة وكانوا ابناء تجار ايضا.
على الرغم من يعض التطورات التجارية التي طرأت على المناطق الريفية إلا انه كانت قاعدة الإقتصاد لاتزال زراعية حتى نهاية الثمانينات، والى حد اقل ما يتعلق بالثروة الحيوانية. ان الفشل في حل معضلات الري والبزل الفنية ساعد في تداعي إنتاجية الريف وكرس الدورالإقتصادي والسياسي للحكومة المركزية . ان نمو القرى الصغيرة لتصبح مدنا ومؤشرات الإنتعاش والخيرالأخرى لم تكن إلا نتيجة للتدخل والحظور المباشر للدولة اكثر من اعتباره تطورا اقتصاديا محليا. ان تزايد عدد موظفي وممثلي الدولة ادى الى زيادة الإنتاج المحلي اضافة الى انتشار ماتحققه الدولة من واردات الى الى انتعاش الريف من خلال البنى التحتية ومشاريع الخدمات. وبقى الكثير الذي ينبغي عمله لسكان الريف قبل اندلاع الحرب اعلنت الدولة عن حملة لتأمين المتطلبات الأساسية للريف مثل الكهرباء وماء الشرب والتي كانت معظمها تعاني من عجز فيها. ولقد تابعت الدولة تحقيق هذه المشاريع وخاصة في الجنوب بالرغم من الصعوبات التي فرضتها الحرب. لقد شعر النظام بظرورة مكافأة اهل الجنوب الذين كانوا الأكثر تضحية ومعاناة من الحرب.

UP

تأثير الإصلاح الزراعي
ان احد اهم الإنجازات نظام عبدالكريم قاسم ( 1958 – 63 ) هي التطبيق الجزئي لقانون الإصلاح الزراعي . ان نطاق القانون وقلة الكادر المتخصص لتطبيقه اضافة الى الصراع السياسي ضمن نظام قاسم ومن خلفه حدد من التأثير المباشر للقانون وخاصة مرحلة نزع الملكية.
ان المقاطعات الكبيرة صودرت بسهولة ولكن التوزيع تخلف نتيجة المشاكل الإدارية وملوحة معظم الآراضي المصادرة. اضافة الى ان الملاك (الإقطاعيين) كان لهم حق اختيار افضل الأراضي لهم . ان التأثير المباشر لقانون الإصلاح الزراعي لا يمكن تلخيصه إلا من قبل الإحصائات غير الرسمية للمراقبين وتقارير موظفي منظمة الآغذية والزراعةالتابعة للأمم المتحدة ( الفاو). ان تطور الجمعيات الفلاحية وخاصة في مجال التسويق كان فاشلا تماما بالرغم من تحقيق بعض النجاحات هنا وهناك.
وفي هذا لعب الكبار من رؤوساء الجمعيات دور السركال في عهد الإقطاع، ومخاتير العشيرة الذين لعبوا دور الملاحظين في عهد الشيخ لعبوا نفس الدور في تهيأة حاجات الري للجمعيات الفلاحية.
ان استمرار فقر الجماهير الفلاحية كان ملحوظا، من خلال الهجرات المستمرة في الستينات والسبعينات والثمانينات والتي انتقلت من الريف الى المدن. حسب وزارة التخطيط فان معدل الهجرة الداخلية من الريف زادت من 19600 بالعام في اواسط الخمسينات الى 40000 بالعام في الفترة من 1958 – 1962 . نتيجة الدراسة على كل من محافظتي بابل ونينوى تناولت الحالة في الريف ومتغيرات اخرى أثرت في المهاجرين – بدلا من توفر فرص العمل حسب الإحصائات الحديثة –
لم يكن هناك اي شك في ان الهجرات الجماعية وتوزيع الأراضي قلل من عدد الفلاحين الذين لا يملكون أرضا. تشير آخر احصائية قبل الحرب العراقية الإيرانية، الاحصاء الزراعي لعام 1971 ، يشير الى ان مجموع الأراضي الزراعية ( الأراضي المزروعة وليست المستزرعة) الى مايزيد عن 5.7 مليون هيكتار منها مايعادل ال 98.2 % تدار من قبل مدنين ( غير فلاحين). حوالي 30 % من هذه الأراضي وزعت من قبل الإصلاح الزراعي. معدل مساحة القطع حوالي 9.7 هيكتار، الا ان 60 % من الأراضي كانت بمساحات اصغر لا تتعدى ال 7.5 هيكتار مايشكل حوالي 14% من مجموع الأراضي. اما من الجانب الآخر فكان ما يعادل 0,2 % من تلك المقاطعات تبلغ 250 هيكتارا أو اكبر، ما يساوي 14 % من المجموع. كان ما يعادل 52 % من مجموع الأراضي تدار من مالكيها، و 41 % مؤجرة لفلاحين بعقود. 4.8 % تدار من قبل اناس وضعوا يدهم عليا عنوة، و0.6% فقط تدار مزارعة. اما ال 1.6 % الباقية فلا يعرف موقفها بالتأكيد. حسب النشرات القليلة التي كانت الحكومة تعلنها ففي 1985 كانت نسبة الأراضي الموزعة منذ بدء الإصلاح الزراعي تساوي 2271250 هيكتارا.
عدم الإستقرار السياسي خلال الستينات عرقل من تطبيق قانون الإصلاح الزراعي ولكن بعد استلامه السلطة في 1968 تمكن البعث من اعادة تفعيله بشكل ملحوظ. ان قانون 117 (1970) حدد من مساحة المقاطعات. ومنع تعويض الملاك ومنع تعويض المستفيدين مما كان يؤدي الى غرق الفلاحين بالديون وفقرهم. لقد خلق قانون الإصلاح اعدادا كبيرة من مقاطعات صغيرة. بتطبيق اساليب من بلدان اخرى فقد ظهرت طبقة وسطى من الفلاحين الذين سيطروا اما مباشرة او ممن خلال قادتهم في الجمعية، على معظم الآلات الزراعية واستخداماتها. الإنتماء الى حزب البعث الحاكم كانت تعتبر وسيلة اخرى للوصول وللسيطرة على تلك الموارد. فبل الحرب العراقية الإيرانية كان للحزب جذورا في الريف ولكن بعد تسلم صدام حسين الرئاسة في عام 1970 بذلت جهود واضحة لبناء الجسور بين العاصمة والمحافظات. من الجدير بالملاحظة هو ان كل الحزبيين الذين تمت ترقيتهم الى درجة اعلى عام 1982 اثناء انعقاد المؤتمر القطري كانوا قد تميزوا بانهم قد نشروا الحزب في المحافظات.
حتى قبل الحرب العراقية الإيرانية، شكلت الهجرة خطرا جسيما تمثل في نقص الأيادي العاملة. وفي الثمانينات حين كانت الحرب تجبر كل الفئات الى طلب الملجأ الآمن في بغداد، كان هذا النقص قد تفاقم واصبحت الحالة حرجة خاصة في المناطق التي تستعمل المكننة الزراعية. حاولت الدولة تعويض النقص باستيراد مشاريع جاهزة اضافة الى اختصاصيين اجانب. اما في المنطقة الكردية في الشمال – واى درجة ما في المنطقة الجنوبية التي ابتليت بالهاربين- كان ضمان أمن الأشخاص الأجانب صعبا، لذا فقد اضطرت الى وقف العديد من المشاريع. ولقد لجأت الدولة الى استراتيجية اخرى لمعالجة نقص الأيادي العاملة بجلب العمالة المصرية. لقد قدر عدد المصريين العاملين في العراق ب 1.5 مليون عامل عند بدء الحرب.

UP

المجتمع الحضري
كان المجتمع الحضري العراقي، قبل الحرب العراقية الإيرانية، يمر بتحولات وتغييرات اجتماعية سريعة كان لها تأثيرا مباشرا على مجتمع المدينة. لقد لعبت المدينة عبر التأريخ دورا اقتصاديا وسياسيا مهما في حياة المجتمعات في الشرق الأوسط وبالتأكيد في المنطقة المعروفة حاليا بالعراق. التجارة والحرف اليدوية والصناعات الصغيرة والفعاليات الإدارية والزراعية كانت مرتكزا للإقتصاد والمجتمع، دون أن ننسى السمة المؤثرة للريف لمعظم ابناء الشعب. في العصر الحديث، حيث ساهم القطر مساهمة متنامية في الإقتصاد العالمي وخاصة في القطاع التجاري والإداري نمت بعض الراكز الحضرية وكانت في مدن مثل بغداد والبصرة واضحة جدا. وقد غيرت الحرب طبيعة النمو هذه بصورة ملحوظة – ففي بغداد كانت تتنامى بسرعة اما في البصرة فكانت تتقلص بسرعة.
التقديرات الديموغرافية المستندة على احصاء 1987 تعكس زيادة في سكان المدن من 5.452.000 في 1970 الى 7.646.054 في 1977 ، وثم الى 11.078.000 في 1987 أو مايعادل 68 % من السكان. ان جداول الإحصاء تبين نموا واضحا في بغداد خصوصا، من مايزيد قليلا عن 500.000 في عام 1947 الى 1.754.000 في عام 1965 : ومن 3.226.000 في 1977 الى 3.845.000 في عام 1987.
ان نفوس بقية المدن الرئيسة نسبة الى احصاء 1977 كان 1.540.000 للبصرة، و 1.220.000 للموصل و 535.000 لكركوك. كان ميناء البصرة يمثل صورة اكثر تعقيدا، نمو متسارع حتى اندلاع الحرب، ثم انهيار حاد منذ بدء الحرب حين بدأ الناس يشعرون بتأثير الحرب على المدينة وضواحيها. شهدت البصرة خاصة بين الأعوام 1957 و 1965 معدل نمو أعلى من بغداد – 90% للبصرة مقارنة ب 65% لبغداد. ولكن ما أن نجح الإيرانيون بإغراق بضعة ناقلات للنفط في شط العرب حتى اغلق الممر المائي وتدهور الوضع الإقتصادي للمدينة. وفي عام 1988 ادت المحاولات الإيرانية المتعددة لإحتلال البصرة الى زيادة تآكل وتصدع القوة التجارية للمدينة وادى القصف الإيراني الى جعل بعض احياء المدينة خاوية تماما ولا يمكن السكنى فيها. لعدم توفر ارقام دقيقة خلال الحرب فيقدر سكان البصرة في عام 1988 اقل من نصف ما كانت عليه في 1977 .
في اقصى الشمال كانت الصورة مختلفة نوعا ما. هناك شهد العديد من المدن المتوسطة الحجم نموا سريعا جدا – مدفوعة بالموقف غير المستقر في المنطقة. في بداية الحرب قررت الدولة مواجهة فعاليات المقاتلين الأكراد باستهداف المجتمعات التي تدعي انها تساند المتمردين. لذلك حرمت مناطق واسعة وأخلتها من السكان. نزح القرويون المهجرون الى مدن كبيرة مثل اربيل والسليمانية ودهوك وباعداد اقل الى الموصل وكركوك.
لم تتيسر التفصيلات الإحصائية الدقيقة في الثمانينات عن تأثير هذه التحولات السكانية على الخصائص المادية للمدينة. حسب شهود عيان في بغداد ويحتمل انطباقها على بقية المدن فلم يكن هناك اي تخطيط لمواجهة الزيادة السكانية في المناطق الفقيرة. كان التوسع في العاصمة وحتى منتصف السبعينات غير منتظم أو مدروس. كتيجة ظهرت مساحات فارغة كبيرة بين البنايات والأحياء. لذا فان الأحياء التي سكنت تجاوزا كانت الزيادة فيها كبيرة خلال تلك السنين ولم تكن تلك الأحياء في اطراف المدينة . في نهاية الخمسينات كانت الصرائف في بغداد تقدر ب 44.000 أو تقريبا 45 % من مجموع بيوت العاصمة.
كانت تلك الأحياء الفقيرة هدف حكومة عبدالكريم فاسم الخاص. بذلت جهود حثيثة لتحسين احوال سكان الصرائف. ما بين عام 1961 - 1963 ازيل الكثير من الأحياء تلك وحول السكان الى مشروعي اسكان كبيرين على حافة العاصمة هما مدينة الثورة ومدينة النور. وبنيت لهم المدارس والأسواق وهيئت خدمات المجاري. وبمرور الأيام تهدمت كل من الثورة والنور حتى أمر صدام حسين قبل الحرب العراقية الإيرانية باعادة بناء مدينة الثورة واسميت بمدينة صدام. ان هذه المنطقة ذات البيوت المنخفضة والشوارع الواسعة طورت من نمط العيش للسكان الذين هم من الشيعة المهاجرين من الجنوب.
من مظاهر موجات الهجرة الأولى الى بغداد والمراكز الحضرية الأخرى هي ان النازحين قرروا البقاء، فجلبوا معهم كل عوائلهم. معضم النازحين كانوا من الفلاحين المزارعين، الى انه كان من بينهم اصحاب الدكاكين والتجار الصغار وبعض الحرفيين الصغار ايضا. لم تنقطع الصلة بالموطن الذي نزحت منه هذه العوائل فاستمرت الزيارات إلا ان الهجرة المعاكسة كانت نادرة جدا.
كانت هذه العوائل وخاصة في البداية تميل الى السكن بمجموعات من مدينة واحدة في محلة واحدة لتخفيف ضغوط التحول الى البيئة الجديدة ولإدامة نفس النمط من المعيشة التي كانوا متعودين عليها ولتقديم العون المتبادل.

ويعتقد ان نمط العيش هذا استمر حتى خلال سنوات الحرب. ولقد لاحظ المراقبون ان التجمعات في هذه المدن لم تكن على اساس منطقة ريفية واحدة بل العشيرة الواحدة.
ان تركيبة المجتمع الحضري قد تطورت تدريجيا عبر السنين. فقبل الثورة كان العراق محكوما من قبل الطبقة الحاكمة المتمركزة في بغداد. كانت هذه مجموعة متماسكة داخليا، تتميز عن باقي السكان بغناها الفاحش وسلطتها السياسية. ان قاعدة اقتصاد هذه الطبقة كانت الاراضي ولكن خلال الإنتداب البريطاني والحكم الملكي كان الملاك يسعون الى الربح التجاري والتجار وموظفو الدولة يسعون للحصول على املاك واراض. ، لذا فقد تولدت علاقات وروابط مشتركة لتحقيق ذلك. ونتج عن ذلك ان الطبقة الحاكمة العراقية لم يكن فصلها بسهولة الى اقسام او وحدات متكاملة. ان اكبر بيوت التجارة كانت تحت سيطرة عوائل تملك مقاطعات كبيرة, وكان الملاك غالبا من شيوخ العشائر ولكنها كانت تظم بعض وجهاء الدولة الكبار والوزراء وكبار الموظفين. اضافة الى ان طبقة الإقطاعيين كانت تسيطر على البرلمان الذي كان يعمل لتحقيق مايسعون اليه.
كان هناك في الخمسينات والستينات طبقة متوسطة تنمو بسرعة تتالف من التجار واصحاب المحلات والإختصاصيين وموظفي الدولة، ازدادت اعدادهم بسرعة من خلال النظام المدرسي. كانت وزارة المعارف خلال العهد الملكي مستقلة نوعا ما عن هيمنة المستشارين البريطانين، لذا فقد برزت كجهة مناوئة للحكومة باتجاه المطالب الشعبية. كانت هذه الوزارة متجهة باتجاه تعليم فئة متعلمة، مثقفة من الطبقة الوسطى،. من هذه الطبقة الوسطى كانت فئة ترتيط وثيقا بالوسط التجاري ما يطلق عليها بالبرجوازية الصناعية الصغيرة التي كانت مصالحها لا تتطابق تماما مع تلك الطبقات التقليدية.
وصفت التركيبة الطبقية للمجتمع العراقي بعدم الإستقرار. فبالإضافة الى التغيرات الواسعة التي شهدها الريف فقد حدثت تغيرات اقتصادية واجتماعية كبيرة اضافة الى التضخم الكبير الذي كان من نتائج الحرب العالمية الثانية. تمكنت فئة صغيرة من تحقيق ارباح خيالية في الوقت الذي كان الأغلبية يرزحون تحت وطأة القلق الإجتماعي. وقد وصفه بعض المراقبين بانه يشبه الحالة في اواخر ايام الدولة العثمانية.
بلغت نزعة التوسع الحضري، التي بدأت في الأيام التي اعقبت الثورة مباشرة، ذروتها في اواسط السبعينات حيث بدأ الناس يلمسون الإرتفاع الحاد لأسعار النفط العالمية. لقد انصبت واردات النفط على المدن حيث تم استثمارها في البناء والمضاربات العقارية. لقد وجد الفلاحون الذين كانوا يشعرون بعدم الإكتفاء في الريف مبررا اقوى للإنتقال الى المدينة بسبب توفر فرص العمل حتى الوقتية وخاصة في مجال البناء، ان فرص العمالة وحتى غير الماهرة وفرت لهم حياة افضل من العيش في الريف.
اما بالنسبة للنخبة سواء المرتبطين بالأرض اولغيرهم من رجال النظام فان ارتفاع اسعار النفط خلال السبعينات قد فتحت لهم مجالات مختلفة من الثروة من خلال التجارة او الصناعة. وقد توسعت الطبقة العملة ايضا ولكنها كانت مشرذمة. كان هناك عدد قليل من الذين يعملون في صناعات تشغل عشرة عمال أو أقل، في الوقت الذي كان العدد الأكبر يعمل كأجراء بضمنهم عمال الخدمات. بين النخبة والطبقة العملة كانت الطبقة البرجوازية الوسطى. التكوين التقليدي من آلاف دكاكين الحرف المختلفة والتي شكلت القسم الأكبر من القطاع الصناعي، واكثر من كل ذاك الدكاكين المملوكة لأشخاص. ان الجزء الأكثر نماءا من هذه الطبقة كان يتألف من الإختصاصيين وشبه الإختصاصيين العاملين في الخدمات والقطاع العام، بضمنهم الضباط وآلاف الطلبة الذين يبحثون عن عمل.لقد اصبحت هذه الطبقة مهمة في الثمانينات لأن بعضا من افرادها اصبحوا نخبة البلاد. وقد يكون اكثر سمات نمو القطاع العام اهمية هو نمو وسائل التعليم والضغط الناتج عن ذلك في البحث عن وظيفة في قطاعات غيرسلعية.

UP

الطبقية وطبقات المجتمع
ان النظام السياسي الذي كان سائدا قبل الثورة (ثورة 1958 )، ببرلمانها المكون من الملاك ، ومجموعة مختارة من حلفاء الدولة كان يظهر عجزا مستمرا في مواجهة حقيقة التغير الإجتماعي الموسوم بالخطى السريعة للإقتصاد المبني على فعاليات المدينة المدعومة بالواردات النفطية. ان استثمار زمرة النخية في الصناعة، دفع كل من البرجوازيين والطبقة العاملة للضغط على الدولة لتحقيق رغباتهم. وحين عكس الجيش هذا التغير في التوازن للقوى الإجتماعية، صار التغيير السياسي الجذري امرا لا بد منه. ان المنشأ الإجتماعي لميول "الضباط الأحرار" السياسية دفع الى انقلاب 1958 والإطاحة بالملكية، والأحزاب السياسية المختلفة التي ساندتهم وخلفتهم فيما بعد تعكس بوضوح طبيعة الطبقة الوسطى للثورة العراقية. ان قانون الإصلاح الزراعي والحملة الموجهة ضد احتكارات النفط الأجنبية كانت تهدف الى اعادة صياغة القوى السياسية والإقتصادية لصالح الطبقات الوسطى والدنيا اللتان تسكنان المدينة. ان الصراع السياسي بين المتطرفين الراديكاليين والمعتدلين في الستينات كان يعني اساسا دور القطاعين الحكومي والشعبي في الإقتصاد: حاول الراديكاليون منح الدولة حصة اكبر كان المعتدلون ينادون بتحديد الإقتصاد بالخدمات الأساسية والبنية التحتية.
كانت هماك نقلة في توزيع الأرباح بعد 1958 لصالح الطبقة الوسطى من الموظفين وبدرجة اقل العمال المأجورين والفلاحين على حساب الأغلبية من الملاك ورجال الأعمال .
ان حزب البعث الذي جاء الى السلطة منذ تموز 1968 كان يمثل الدرجات السفلى من الطبقة المتوسطة: ابناء اصحاب الدكاكين، الموظفين، وخريجي المدارس المهنية، او كلية القانون او الكليات العسكرية. ولقد حاولت الطبقة الحاكمة في الثمانينات ان تشكل الفئات العليا والوسطى من البيروقراطيين، الذين اما ارتقوا من صفوف الحزب او انهم ادخلوا الى الحزب بسبب كفاءاتهم التقنية، مثلا: التكنوقراط. كانت النخبة تشمل ايضا ضباط الجيش، الذين جاهدت الدولة بكسب ولائهم خلال الحرب بمنحهم المكافأت المادية والهدايا.
ان نهج الدولة باغداق الهدايا على العسكر اثر على الطبقات السفلى. فلقد كان البعث كريما جدا مع عوائل الشهداء. لذا فلقد كانت العوائل هذه تمنح سيارة وراتبا تقاعديا كبيرا.

UP

Copyright © 2003 IraqWho.com  All Rights Reserved.

 الرئيسية | حول الموقع | حول العراق | التاريخ | الثقافةالسياحة | الوصلات | اتصل بنا | كارتات | اخبر صديقا